في إقامات المدارس الحديثة وصيانة الكتب القديمة. فهو الذي أنشأ المكتبة الظاهرية في دمشق وجعل منها دارًا للمخطوطات التي كانت موزعة في جوامع المدينة ومدارسها القديمة. ومن هؤلاء أيضًا الشيخ حسين الجسر (1845 - 1909) من طرابلس، الذي أبدى في حياته وتآليفه الاهتمام ذاته بالتوفيق بين التعاليم القديمة والحديثة، وبتبني ما لا يهدم معتقدات الإسلام وقيمه من نزعات العالم الحديث.

وقد تخرج الأستاذ الجسر من الأزهر، حيث تأثر بتعاليم المرصفي. ثم أصدر صحيفة من أوليات الصحف العربية، وأسس «المدرسة الإسلامية الوطنية» في مسقط رأسه طرابلس. كان منهاج هذه المدرسة يشتمل على تعليم اللغات العربية والفرنسية والتركية، والعلوم الدينية، والمنطق، والرياضيات، والعلوم الطبيعية الأوروبية الحديثة. وكانت جميع كتب تدريس هذه العلوم الحديثة مترجمة إلى لغة عربية واضحة صحيحة بفضل الدكتور فان دايك، المرسل الأميركي، الذي كان يزود بها الكلية البروتستانتية السورية (2). ووضع الشيخ الجسر «الرسالة الحميدية»، وهي عرض للعقيدة الإسلامية، توخى منه تعريف الإسلام بطريقة جديدة وسهلة المنال، تلبية لرغبة في فهم هذا الدين أخذت تظهر، أو هكذا اعتقد، لدى غير المسلمين. وفي هذه «الرسالة» يقف المؤلف، في كثير من المسائل، الموقف التقليدي، لا الموقف الذي جعله محمد عبده عنوان السنة الجديدة. فيقول، مثلًا، إن الجهاد مشروع لا للدفاع عن الإسلام فحسب، بل لهداية الذين يصرون على رفضه أيضًا. وهو يدافع عن المفهوم الإسلامي للرق، ويقبل بالرأي التقليدي القائل إن باب الاجتهاد قد أقفل بنهاية القرون الثلاثة الأولى. والحجة على ذلك أن علماء تلك العصور كانوا يتكلمون بسلطان أقوى من الذين جاؤوا بعدهم، وأنهم كانوا أقرب زمنيًا إلى النبي وإلى الذين عرفوه، وأن جميع المسائل الهامة قد انتهت إلى حل، بعدهم بزمن قصير (3). لكن طريقة معالجته لشخصية محمد وتعاليمه يمكن اعتبارها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015