وهكذا ألتحق سعد زغلول، بفضل حمية، بالفئة الحاكمة في مصر. وعندما اقتنع كرومر، آخر الأمر، بضرورة إدخال مصريين في الحكومة ممن لهم صفة تمثيلية، وقع اختياره على سعد، فعينه الخديوي عباس وزيرًا للتربية، مع أن الخديوي لم يكن يحبه، إذ اعتبره، بحق، خصمًا للحكم الطلق. وبقي سعد وزيرًا للتربية مدة أربع سنوات كان خلالها وزيرًا قديرًا، وإن قاسيًا. فقد زاد عدد المدارس وأدخل في برامجها بعض التعديلات، كإبدال اللغة الإنكليزية في بعض المواد باللغة العربية. وأهم من ذلك هو أنه كان أول وزير مصري يفرض سلطته، دون خصام يذكر، على المستشارين والموظفين البريطانيين. وكان هؤلاء، على وجه العموم، يحبونه. وقد قال عنه أحدهم إنه، برغم «طريقته الصلبة والجافة»، إداري يقظ، يبدي اهتمامًا بالغًا بتفاصيل الأعمال في الوزارة (44). وفي 1910، رقي إلى وزارة أهم، هي وزارة العدل. لكنه أخذ يشعر، أكثر فأكثر، بصعوبة الاشتراك في الحكم. كان على صلة طيبة بكرومر، حتى أنه علق صورته في مكتبه إلى جانب صور بسمارك والأفغاني وعبده (45)؛ وكان يحلم، كمحمد عبده، بتعاون المصلحين البريطانيين والمصلحين المصريين لوضع حد لسلطة الخديوي والقيام بالإصلاحات الضرورية. لذلك فإنه لم يحبذ سياسة غورست القائمة على توسيع صلاحيات الخديوي، كما أنه لم يستطع التفاهم مع كتشنر، فاستقال من الوزارة في 1913، ثم قدم ترشيحه لعضوية الجمعية التشريعية التي أنشأها كتشنر، ففاز بها كما فاز بنيابة الرئاسة. وحين انعقدت الجمعية، لبضعة أشهر في 1914، برز سعد زغلول كزعيم للمعارضة ضد الحكومة وضد البريطانيين من ورائها. وقد كان في سياسته أقرب إلى حزب الأمة منه إلى حزب مصطفى كامل الوطني، لذلك هاجمه أتباع مصطفى كامل بعنف، عندما كان وزيرًا للتربية. أما الآن، إذ أصبح نائبًا، فقد نظروا إليه كمعبر عن الرأي العام الوطني. وعندما عادت الحياة السياسية إلى نشاطها بعد انتهاء الحرب العالمية