وأما داود، فمعاذ الله أن يقول إمام الحرمين أو غيره: إن خلافة لا يعتبر، فلقد كان جبلا من جبال العلم والدين، له من سداد الرأي والنظر، وسعة العلم ونور البصيرة ما يعظم وقعه، وقد دونت كتبه، وكثرت أتباعه، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "طبقاته" من الأئمة المتبوعين، وقد كان مشهورا في زمن إمام الحرمين وبعده بكثير لا سيما في بلاد فارس شيراز وما والاها إلى ناحية العراق، وفي بلاد المغرب الأندلس.

كان داود من عقلاء العالم حتى قال فيه ثعلب: عقله أكثر من علمه، ومن كلامه: خير الكلام ما دخل الأذن من غير إذن.

ولد بالكوفة سنة 200 مائتين، وتوفي ببغداد سنة 270 سبعين ومائتين في رمضان، وكان له أتباع في بغداد وشيراز وما والاها يقال لهم: الظاهرية، ووصل مذهبه إلى الأندلس، ثم انقرضوا بعد الخمسمائة.

أصول مذهب الظاهرية:

مبدؤهم هو التمسك بظواهر آيات القرآن والسنة، وتقديمها في التشريع على مراعاة المصالح والمعاني التي لأجلها وقع تشريع الحكم. وأصلهم هذا قد خالفوا فيه جمهور أهل المذاهب الأربعة الذين أخذوا بالقياس وغيره من بقية الأصول السابقة، فإن الجمهور لم يقطعوا النظر عن روح التشريع، ومراعاة المعاني، ولم يجمدوا على الظواهر، بل نظروا إلى المقاصد، ورأوا أن ألفاظ الشرع وسائل لتلك المعاني وإن اختلفت مراتبهم في ذلك حتى إن منهم من يقدم القياس على خبر الواحد كما سبق، فكان الظاهرية ضدهم جميعا إلا أن الضدية اشتدت بينهم وبين الحنفية المغرقين في القياس، ثم المالكية، ثم الحنابلة، ثم الشافعية، ولا شك أن مذهب أهل القياس أقرب إلى الترقيات العصرية، وتطورات الزمان والمكان، والحال بخلاف مذهب الظاهرية، فإنه مخالف لناموس العمران والمكان، والاجتماع البشري المبني على النظر للمصالح العامة، متباعد عن اعتبار الحكم التي شرعت الشريعة لأجلها وحقائق روح التشريع في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015