ففي العشرة الثامنة من القرن الثاني بدأ انفصال المماليك الأفريقية والأندلس عن المملكة الشرقية بظهور دولة الأدارسة في المغرب، وبنى مدرار في سجلماسة، وبنى رستم في القطر الجزائري، وبنى أمية في الأندلس ثم بنى الأغلب بالقيروان.
ثم ظهرت في أيام المأمون الدولة الطاهرية بخراسان، ثم العلوية بطبرستان، والدولة السامانية فيما وراء النهر، ثم بعد الدولة الزيارية بجرجان، والدولة الصفارية بفارس. وفي أيام المتوكل بن المعتصم بن الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين ضعفت الخلافة الإسلامية بل الوحدة الملية، وظهرت سياسة التغلب في ولاة الأقاليم، وصار الإسلام إلى ملوك طوائف أشبه منه بخلافة، فتغلبت الدولة الطولونية بمصر والشام، ثم دولة بني بويه الديلم بالعراق التي امتدت إلى أن استولت على نفس بغداد، كما أنه في آخر المائة الثالثة ظهرت دولة الشيعة بأفريقية، واستولت على المغرب الأقصى والجزائر، ثم امتدت إلى مصر والحرمين والشام وزاحمت بني العباس حتى في العراق وبني أمية دولة الأندلس التي كانت قد عظمت جدا في آخر الثالث وفي الرابع، وتسمي أميرها بأمير المؤمنين.
فصارت الخلافة الإسلامية في القرن الرابع يدعيها ثلاث دول عظمى: بنو العباس الذين هم تحت سيطرة الديلم في بغداد، والشيعة في مصر وأفريقيا والحجاز والشام، وبنو أمية في الأندلس وكل هذا مؤثر على الفقه كما لا يخفى على كل لبيب لانقطاع الصلات بين هذه الأقطار بالحروب وأنت تعلم أن العلم كان ناميا بالراحلة وحصول السباق بين علماء أقطار الإسلام، فتحول ذلك إلى النزاع السياسي، وانتحل كل خليفة من الخلفاء الثلاثة مذهبا يخالف غيره، فأصبح الفاطميون1 يوجهون دعاتهم من الشيعة لنشر مبادئهم ضد بني العباس وبني أمية وكانوا يجعلون قاضي القضاة بمصر على مذهبهم الذي هو مذهب