مجمل التاريخ السياسي للمائة الثالثة والرابعة:
إن في أول المائة الثالثة كانت دولة بني العباس في عنفوانها وعلى رأسها الخليفة المأمون بن الرشيد فتى العلم، والمؤسس لنهضته العامة في الإسلام ولم يلحقه خليفة في الولوع بالعلم ونشره، وهو الذي نشط العلماء للإكثار من ترجمة كتب فلاسفة اليونان والروم والهند، وابنتى المدارس، والمستشفيات للطب والحكمة، وشيد المراصد للنجوم، وظهرت في زمنه الفلسفة العقلية في الإلهيات والنبوءات التي أدت إلى حدوث انشقاق في علماء الأمة زيادة عما كان من انشقاق الخوارج والشيعة، فقد انحلت طائفة الخوارج إلى مذهب الاعتزال، وأيدهم المأمون لكونهم ضد الشيعة في كثير من مبادئهم وخرافاتهم، ليقلل من قيمة الشيعة التي كانت للعلويين ضد بني العباس، فأدخلوا في العقائد التي يجب اعتقادها في حق الله وحق الرسل الفلسفة العقلية التي اقتبسوها من الكتب المترجمة عن الأفكار اليونانية والرومانية، وتجرءوا على الكلام في ذلك بما أتوا من المهارة في الفلسفة المذكورة، وكشفوا القناع للكلام فيما كان السلف لا يتجرءون عليه، ويقفون عند حد التسليم والتفويض.
وأهم المسائل التي خالف بعض المعتزلة فيها هي القول بنفي القدر، وأن الله لا يعلم الأشياء قبل إيجادها، ولا يقدرها وأن الأمر أنف1.
والثانية2: القول بخلق القرآن أما الأولى، فحدثت قبل هذا التاريخ