بابن عيسى قاضي قرطبة المتوفى سنة 339 تسع وثلاثين وثلاثمائة أنه كان مارا في موكب حافل بمدينة ألبيرة أيام قضائه بها، إذ رأى فتى يتمايل سكرا، فلما شعر بالقاضي أراد الفرار، فخانته رجلاه، فاستند إلى الحائط، وأطرق، فلما دنا منه القاضي رفع رأسه وأنشأ يقول:
ألا أيها القاضي الذي عم عدله ... فأضحى به في العالمين فريدا
قرأت كتاب الله ألفين مرة ... فلم أر فيه للشروب حدودا
فإن شئت أن تجلد فدونك منكبا ... صبورا على ريب الزمان جليدا
وإن شئت أن تعفو تكن لك منَّة ... تروح بها في العالمين حميدا
وإن أنت اخترت الحدود فإن لي ... لسانا على هجو الرجال حديدا
فلما سمع القاضي شعره، أعرض عنه، ولم يأمر باستنكاهه، ومضى لشأنه كأن لم يره.
فانظر إلى هذا الفتى كيف دافع عن نفسه بأن حد الشارب ليس في القرآن وإن كانت شبهة داحضة لثبوته بالسنة، ولحصول الإجماع من الصحابة على الحد إجمالا وإن اختلفوا في قدره كما تقدم لنا في وقوع النسخ بالسنة إلا ما روي عن ابن عباس كما سبق.
وقال ابن العربي في "الأحكام": كان أبو الفضل المراغي يقرأ بمدينة السلام، فكانت الرسائل تأتي إليه من بلده، ويقطعها في صندوق، ولا يقرأ منها شيئا مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه، ويقطعه عن طلبه، فلما كان بعد خمسة أعوام، قضى غرضا من الطلب، وعزم على الرحيل، شد رحله منها يقرؤها في وقت وصولها ما تمكن بعدها من تحصيل حرف من العلم، فحمد الله تعالى، وخرج إلى باب الحلبة طريق خرسان، وتقدمه الكري بالدابة، فوقف على فامي1 يبتاع منه سفرته، فبينما هو يحاول ذلك معه، إذ سمعه يقول لفامي آخر: أما سمعت الواعظ يقول: إن ابن عباس يجوز الاستثناء في اليمين