الإشارة إليه في مباحث السنة من الطور الأول، ولكن في كثير من المسائل نجده يعكس, فيقدِّم صريح السنة كحرمة الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها؛ إذ ظاهر قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1 الإباحة، لكن لما اعتضدت السنة بالإجماع قدمها وجعلها مخصصة.
ومثله قوله في حد الثيب الزاني في نظائر أخرى، فالذي يظهر من فقه مالك أن السنَّة الصريحة إذا اعتضدت بإجماعٍ أو عمل المدينة, قدَّمها كتحريم كل ذي ناب من السباع كما تقدَّم في ترجمة السنة مستقلة في التشريع2، والإجماع لأصله وهو العمل بظاهر القرآن خلافًا لإطلاق من ذكر.
وقد يقدَّم القياس على ظاهر السنة كما في إيجاب الدلك في الغسل, فظاهر حديثي ميمونة وعائشة في الصحيح3, فيهما وصف غسله -عليه السلام- بدون ذلك, والقياس على الضوء يقتضي الدلك، هكذا ذكر ابن رشد الحفيد4، والتحقيق أن القياس اعتضد بظاهر القرآن حيث قال: {فَاطَّهَّرُوا} 5 وزيادة المبني لزيادة المعنى، وأيضًا تعميم مغابن البدن الذي هو مجمعٌ عليه, لا يحصل مع قلة الماء إلّا بالدلك, فليس فيه تقديم القياس على ظاهر السنة, بل ظاهر القرآن مع القياس على ظاهر السنة وحده، وتقدَّم في المصالح المرسلة عن ابن العربي أنها من جملة المخصصات في المذهب.
وعمل المدينة عنده مقدَّم على القياس, بل على السنة كما ستراه، وحاصله أن ترتيب أبي محمد هذا ذكري فقط لا نسبي فتأمله، وقد قدمنا الكلام على هذه الأصول في القسم الأول من الكتاب فارجع إليه.
أما الاستحسان الذي قال إنه من أصول مذهبه فلم يؤثر عن مالك القول به كثيرًا ككثرته عند الحنفية، نعم قد استحسن خمس مسائل لم يسبقه غير إليها وهي:
1- ثبوت الشفعة في بيع الثمار، ولم يجز عمل فاس إلّا في ثمار الخريف دون المصيف.
2- وثبوت الشفعة في أنقاض أرض الحبس، وأرض