كما وقع أخيرا في تركيا1، ولو أن علماءها سددوا وقاربوا، لم يشددوا ولم يتساهلوا بل اعتدلوا، لكان خيرا وأصلح ولا يكفينا أن نقول للأمة والأجانب الطاعنين، أن شريعتنا صالحة للرقي صالحة لكل زمان ومكان لا تعوقنا عن التقدم، ثم إذا نزلت نازلة كهذه أحجمنا وجمدنا، وأقمنا دليلا واضحا على منقاضة أقوالنا، بل يجب أن نسلك سبيل الجد وطريق العمل بما هو صلاح أمتنا وشرف ملتنا، وقد أسلفنا شيئا من هذا التمهيد الثالث صدر الكتاب، وراجع ما تقدم في هذا الجزء حول هذا الموضوع.
ولقد كان علماؤنا العظام ينظرون إلى هذه الملاحظة، ويحملون كثيرا من أوامره ونواهيه عليه السلام في المعاملات على أنها من باب الأوامر من حيث الإمامة العظمى، فمن ذلك الحديث: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" 2 مذهب مالك أنه تصرف منه عليه الصلاة والسلام بوصف الإمامة كما يصدر الإمام منشورا لعموم رعيته، فيكون أذنا عاما منه عليه السلام، بإقطاع كل موات لمن يحييه، فلا يحتاج لأذن إمام آخر بعده، وحمله أبو حنيفة وغيره على أنه تبليغ شرعي إلا هي، فقالوا: لا بد من إذن الإمام بعده أيضا في كل أرض أريد إحياؤها، ولكن حكم الحنفية بأن مجرد التصرف عشر سنين من غير منازع بشروطه المعلومة يثبت به الملك ولو يشترطوا أن يوجد أذن الإمام يقرب ما بين المذهبين، ومثل ذلك حديث "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" 3 مذهب مالك أن تصرف بوصف الإمامة وهو إذن خاص بغزاة حنين لمصلحة حربية اقتضاها الحال، فلا بد من إذن الإمام في كل غزاة وإلا رجع السلب للغنيمة التي هي