ومن قواعد الفقه: المشقة تجلب التيسير، والضرورة تبيح المحظور، والله يقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1 وانظر في "المعيار" وغيره فتاوى من أفتى بجواز كراء الأرض بما تنبت لعموم البلوى بها، وفتاوى من أفتى بإباحة شركة الخماس؛ لأن المعاملات إذا عم الفساد وكانت فاسدة على سبيل العموم يترخص فيها، وهؤلاء الخلفاء الراشدون لما رأوا احتياج الناس إلى تضمين الصناع، أوجبوه مع منافاته للقياس، وهؤلاء المتأخرون من المالكية قد ابتكروا بيع الصفقة مع عدم انطباقه على أصول الشرع تسهيلا على الناس، وتخلصا من كثرة الخصومات في شركة الجزء المشاع في الأملاك، وترخصوا في شهادة اللفيف مع مخالفتها لظاهر القرآن وهو قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2، وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} 3 إلى غير ذلك.
ومما وقع في وقتنا على خلاف التوسعة فتوى بعضهم بمنع الضمان المسمى سكرتاه على الأموال4 ثم اختلفوا، فمنهم من علل بالغرر، ومنهم من علل بالقمار، ومنهم من قال: إنه ضمان بجعل، وهأنذا أبين لكم فساد الفتاوى الثلاث فأقول:
أما من علل بالغرر، فقد قاله قياسا على منع الغرر في البيع، وهي فتوى عندي باطلة، وبيان ذلك أن صورة ضمان الأموال أن من له خزين تجارة أو معمل أو مركب، أو وسق بضاعة في مركب مثلا يدفع باختياره لإحدى الشركات الضمانية واحدا في الألف أو نحوه من قيمة الشيء المضمون تأخذه الشركة ولا يرجع له منه شيء، وإنما تعطيه توصيلا به، فإن وقع له غرق أو حرق أو نهب مثلا كانت ملزمة أن تدفع له تعويضا وهو القيمة التي قوم بها الشيء المضمون، والمدة التي تكون الشركة مطلوبة بالضمان فيها مبينة محدودة في التوصيل هذه هي العامة التي وقع