إن "إقبال" نفسه استشعر ضعفه عندما وصف الحركة التجديدية في تركيا بما وصفها به، فعاد إلى المطالبة بالتحفظ في الإسلام وعدم التهور فيه، فيقول:

"إنا نرحب من أعماق قلوبنا بتحرير الفكر الحديث في الإسلام ... ولكن ينبغي لنا أن نقرر أيضا أن لحظة ظهور الأفكار الحرة في الإسلام هي أدق اللحظات في تاريخه: فحرية الفكر من شأنها أن تنزع إلى أن تكون من عوامل الانحلال، وفكرة القومية الجنسية -التي يبدو أنها تعمل في الإسلام العصري أقوى مما عرف عنها من قبل- قد ينتهي أمرها إلى القضاء على النظرية الإنسانية العاملة الشاملة التي تشربتها نفوس المسلمين من دين الإسلام، أضف إلى هذا أن زعماء الإصلاح في الدين والسياسة قد يجاوزون في تحمسهم لتحرير الفكر الحدود الصحيحة للإصلاح، وإذا انعدم ما يكبح جماح حميتهم الفتية، ونحن نمر الآن بعهد شبيه بعهد ثورة الإصلاح "البروتستنتي" في أوروبا، فينبغي أن لا يضيع سدى ما تعلمناه من قيام حركة "لوثر" ونتائجها، فدرس التاريخ في تعمق وعناية يظهر لنا: أن حركة الإصلاح كانت سياسية في جوهرها، وأن نتيجتها الخالصة في أوروبا أسفرت عن إحلال تدريجي لنظم أخلاقية قومية محل الأخلاق المسيحية العالمية، ولقد رأينا بأعيننا ما أسفر عنه هذا الاتجاه في الحرب العالمية الأوروبية "الأولى" التي عجزت عن التوفيق بين المذهبين الأخلاقيين المتضادين؛ بل جعلت الموقف الأوروبي أكثر شناعة مما كان عليه من قبل. والواجب على قادة الرأي في العالم الإسلامي اليوم، هو أن يفهموا المعنى الحقيقي لما حدث في أوروبا وأن يسيروا قدما نحو غايات الإسلام ومراميه مع ضبط النفس والبصيرة الثاقبة"1.

إن "إقبال" يبعد عليه في نظري أن يكون متناقضا؛ إذ يعد الحركة التجديدية في تركيا التي قادها الشاعر "ضياء كوك ألب" نموذجا للحركات الإسلامية الحديثة مرة، ثم يطلب الحيطة والتحفظ في التجديد وفي قبول الفكر الحر "المادي" مرة أخرى ... إنه يأخذ من جديد على هذا الشاعر العظيم "كما وصفه من قبل" أخطاءه في فهم الإسلام كنظام للمجتمع، وبالأخص ما يتعلق بأمر الأسرة، فيقول: "أما فيما يتعلق بما ينادي به الشاعر التركي "ضياء كوك ألب" فإني أخشى أنه يبدو قليل العلم بقانون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015