التَّقْلِيدُ , فَإِنْ قَالَ: بِغَيْرِ حُجَّةٍ قِيلَ لَهُ: فَلِمَ أَرَقْتَ الدِّمَاءَ وَأَبَحْتَ الْفُرُوجَ وَأَتْلَفْتَ الْأَمْوَالَ , وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ كُلَّ ذَلِكَ فَأَبَحْتَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ , وَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ الْحُجَّةَ , لِأَنَّ مُعَلِّمِي مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ , وَرَأَيْتُهُ فِي الْعِلْمِ مُقَدِّمًا فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنِّي , قِيلَ: فَتَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِكَ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ , لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْ مُعَلِّمِكَ , كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْكَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ , تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إِلَى تَقْلِيدِ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى , حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ: نَقَضَ قَوْلَهُ , وَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا , وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا , وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ مُعَلِّمِي , وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ , فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أَخَذَ , وَأَعْلَمُ بِمَا تَرَكَ , قِيلَ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِكَ , فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ , وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ , فَلِزَمَكَ تَقْلِيدُهُ , وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ , وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدَ نَفْسَكَ مِنْ مُعَلِّمِكَ , لِأَنَّكَ جَمَعْتَ عِلْمَهُ , وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِكَ , فَإِنْ قَادَ قَوْلَهُ: جَعَلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ صِغَارِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحَابِيِّ تَقْلِيدُ مَنْ دُونَهُ , وَكَذَلِكَ تَقْلِيدُ الْأَعْلَى الْأَدْنَى أَبَدًا , فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ , مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَصْوِيبِ مَنْ قَلَّدَ غَيْرَ مُعَلِّمِهِ فِي تَخْطِئَةِ مُعَلِّمِهِ , فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُخَطِّئًا لِمُعَلِّمِهِ , وَلِتَقْلِيدِهِ إِيَّاهُ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015