ذِكْرُ الْكَلَامِ فِي النَّظَرِ وَالْجَدَلِ النَّظَرُ ضِرْبَانِ: ضْرِبٌ هُوَ: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْإِدْرَاكُ بِالْبَصَرِ وَالثَّانِي: النَّظَرُ بِالْقَلْبِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ , وَالْمَنْظُورُ فِيهِ هُوَ: الْأَدِلَّةُ وَالْأَمَارَاتُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمَنْظُورُ لَهُ هُوَ: الْحُكْمُ , لِأَنَّهُ يُنْظَرُ لِطَلَبِ الْحُكْمِ وَالنَّاظِرُ هُوَ: الْفَاعِلُ لِلْفِكْرِ وَأَمَّا الْجَدَلُ فَهُوَ: تَرَدُّدُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ , إِذَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِحْكَامَ قَوْلِهِ , لِيَدْفَعَ بِهِ قَوْلَ صَاحِبِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ , يُقَالُ: دِرْعٌ مَجْدُولَةٌ , إِذَا كَانَتْ مُحْكَمَةَ النَّسْجِ , وَحَبْلٌ مَجْدُولٌ: إِذَا كَانَ مُحْكَمَ الْفَتْلِ , وَالْجِدَالَةُ: وَجْهُ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ صُلْبًا , وَلَا يَصِحُّ الْجَدَلُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ , وَيَصِحُّ النَّظَرُ مِنْ وَاحِدٍ , وَالْجَدَلُ كُلَّهُ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ , فَالسُّؤَالُ هُوَ الِاسْتِخْبَارُ , وَالْجَوَابُ هُوَ الْإِخْبَارُ وَأَمَّا الرَّأْيُ , فَهُوَ: اسْتِخْرَاجُ صَوَابِ الْعَاقِبَةِ , فَمَنْ وَضَعَ الرَّأْيَ فِي حَقِّهِ , وَاسْتَعْمَلَ النَّظَرَ فِي مَوْضِعِهِ سَدَّدَ إِلَى الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ , وَكَمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ , فَسَلَكَ طَرِيقَهَ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ وَأَوْرَدَهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ قَصُرَتْ عُلُومُهُمْ , وَبَعُدَتْ أَفْهَامُهُمْ إِلَى إِنْكَارِ الْمُنَاظَرَةِ , وَإِبْطَالِ الْمُجَادَلَةِ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُجِيبُ عَنْهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ