بَابُ بَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَةٌ عَلَى الْحُكْمِ , وَدِلَالَةٌ عَلَيْهِ , وَلَا بُدَّ فِي رَدِّ الْفَرْعِ إِلَى الْأَصْلِ مِنْ عِلَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا , وَيَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّتِهَا , أَنَّ الْعِلَّةَ شَرْعِيَّةٌ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ شَرْعِيُّ , فَكَمَا لَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ , فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلَّةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ شَيْئَانِ: أَصْلٌ وَاسْتِنْبَاطٌ , فَأَمَّا الْأَصْلُ , فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى , وَقَوْلُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَفْعَالُهُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ وَقَوْلُ رَسُولِهِ فَدَلَالَتُهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْفَحْوَى وَالْمَفْهُومِ فَأَمَّا دَلَالَتُهُمَا مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ , فَمِنْ وُجُوهٍ بَعْضُهَا أَجْلَى مِنْ بَعْضٍ: فَأَجْلَاهَا: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِلَفْظِ التَّعْلِيلِ , كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]