أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , يَقُولُ: «إِنَّا لَنَذْبَحُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ضَحَايَانَا , ثُمَّ نَتَزَوَّدُ بَقِيَّتَهَا إِلَى الْبَصْرَةِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَجْمَعُ مُعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ , وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ مُتَّفِقَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا سَمِعَ النَّهْيَ مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ النَّهْيَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَاقِدٍ وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَبْلُغْ عَلِيًّا وَلَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَاقِدٍ , وَلَوْ بَلَغَتْهُمَا الرُّخْصَةُ مَا حَدَّثَا بِالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ , وَتَرَكَا الرُّخْصَةَ وَالرُّخْصَةُ نَاسِخَةٌ , وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ لَا يَسْتَغْنِي سَامِعُهُ عَنْ عِلْمِ مَا نَسَخَهُ -[347]- وَقَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كُنَّا نَهْبِطُ بِلُحُومِ الضَّحَايَا الْبَصْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ سَمِعَ الرُّخْصَةَ وَلَمْ يَسْمَعِ النَّهْيَ قَبْلَهَا , فَتَزَوَّدَ بِالرُّخْصَةِ وَلَمْ يَسْمَعْ نَهْيًا , أَوْ سَمِعَ الرُّخْصَةَ وَالنَّهْيَ , فَكَانَ النَّهْيُ مَنْسُوخًا , فَلَمْ يَذْكُرْهُ , فَقَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِمَا عَلِمَ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ ثَبَتَ لَهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ مِنْهُ بِمَا سَمِعَ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا حُدِّثْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ , ثُمَّ الرُّخْصَةِ فِيهَا بَعْدَ النَّهْيِ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ لِلدَّافَّةِ , كَانَ الْحَدِيثَ التَّامَّ الْمَحْفُوظَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ , وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ وَالْإِحْلَالِ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَكَانَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ أَبْيَنِ مَا يُوجَدُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنَ السُّنَنِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ يُخْتَصَرُ فَيُحْفَظُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ , فَيُحْفَظُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ أَوَّلًا , وَلَا يُحْفَظُ آخِرًا , وَيُحْفَظُ آخِرًا وَلَا يُحْفَظُ أَوَّلًا , فَيُؤَدِّي كُلُّ مَا حُفِظَ , وَالرُّخْصَةُ بَعْدَهَا فِي الْإِمْسَاكِ وَالْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ لُحُومِ الضَّحَايَا إِنَّمَا هِيَ لِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ , لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ: فَإِذَا دَفَّتِ الدَّافَّةُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ , وَإِذَا لَمْ تَدِفَّ دَافَّةٌ فَالرُّخْصَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّدِ , وَالْإِدِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ -[348]- وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ مَنْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ , فَيُمْسِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ ضَحِيَّتِهِ مَا شَاءَ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ قُلْتُ: وَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيَّيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْدَمُ صُحْبَةً كَابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْسَخَ خَبَرُ الْأَقْدَمِ بِالْأَحْدَثِ لِأَنَّهُمَا عَاشَا إِلَى أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَقْدَمُ سَمِعَ مَا رَوَاهُ بَعْدُ سَمَاعِ الْأَحْدَثِ , وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَحْدَثُ أَرْسَلَهُ عَمَّنْ قَدُمَتْ صُحْبَتُهُ فَلَا تَكُونُ رِوَايَتُهُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَقْدَمِ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ مَعَ الِاحْتِمَالِ