وَصَاحِبُهُ يَحْتَاجُ إِلَى دُونِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِطَرَفٍ مِنْ مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْجَدِّ وَالْهَزْلِ , وَالْخِلَافِ وَالضِّدِّ , وَالنَّفْعِ وَالضَّرِّ , وَأُمُورِ النَّاسِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ , وَالْعَادَاتِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْهُمْ فَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي النَّظَرُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ إِلَّا بِمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ , وَالِاجْتِمَاعِ مِنْ أَهْلِ النِّحَلِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ , وَمُسَاءَلَتِهِمْ , وَكَثْرَةِ الْمُذَاكَرَةِ لَهُمْ , وَجَمْعِ الْكُتُبِ , وَدَرْسِهَا , وَدَوَامِ مُطَالَعَتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ إِعْلَامَ الْخَلْقِ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَصَصِ , وَالْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ , وَالسِّيَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُعْجِزٌ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِلِقَاءِ الرِّجَالِ , وَدِرَاسَةِ الْكُتُبِ , وَخَطِّهِ بِيَمِينِهِ , لِيُصَدَّقَ قَوْلُهُ إِنَّهُ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ بِالْمُلَاقَاةِ , وَالْبَحْثِ وَالدَّرْسِ , وَوُجُودُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَرْقُ عَادَةٍ صَارَ بِهِ مُعْجِزًا , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِنَفْيِهَا عَنْهُ مَعْنًى قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَيُّ كُتُبِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: مَا أَتَبَصَّرُهُ عِلْمًا وَأَتَصَوَّرُهُ فَهْمًا , وَقِيلَ لِآخَرَ , فَقَالَ: مَا أُفِيدُ مِنْهُ وَأَسْتَفِيدُ وَقِيلَ لِآخَرَ , فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ وَبِهِ أَعْمَلُ , وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ فُلَانًا جَمَعَ كُتُبَا كَثِيرَةً , فَقَالَ: هَلْ فَهْمُهُ عَلَى قَدْرِ كُتُبِهِ؟ قِيلَ: لَا , قَالَ: فَمَا صَنَعَ شَيْئًا , مَا تَصْنَعُ الْبَهِيمَةُ بِالْعِلْمِ , وَقَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَتَبَ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِمَّا كَتَبَ: مَا لَكَ مِنْ كُتُبِكَ إِلَّا فَضْلُ تَعَبِكَ , وَطُولُ أَرَقِكَ , وَتَسْوِيدُ وَرِقِكَ