أنا الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ: رُوحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ , نا -[203]- أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُمَانَ الْجَوَالِيقِيُّ لَفْظًا , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ , أنا مُسَدَّدٌ , أنا مُعْتَمِرٌ , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا , فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ مَا يَحْفَظُهُ , وَيَسْتَعْرِضَ جَمِيعَهُ كُلَّمَا مَضَتْ لَهُ مُدَّةٌ , وَلَا يَغْفُلُ ذَلِكَ , فَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا عَلَّمَ إِنْسَانًا مَسْأَلَةً مِنَ الْعِلْمِ , سَأَلَهُ عَنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ , فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ حَفِظَهَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلْعِلْمِ , فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَزَادَهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَدْ حَفِظَهَا وَقَالَ لَهُ الْمُتَعَلِّمُ: كُنْتُ قَدْ حَفِظْتُهَا فَأُنْسِيتُهَا أَوْ قَالَ: كَتَبْتُهَا فَأَضَعْتُهَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ، وَيَنْبَغِي أَلَّا يَسْأَلَ الْفَقِيهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ شَيْئًا إِلَّا وَمَعَهُ سَلَامَةُ الطَّبْعِ وَفَرَاغُ الْقَلْبِ، وَكَمَالَ الْفَهْمِ، لَأَنَّهُ إِذَا حَضَرَهُ نَاعِسًا أَوْ مَغْمُومًا، أَوْ مَشْغُولَ الْقَلْبِ، أَوْ قَدْ بَطِرَ فَرَحًا، أَوش امْتَلَأَ غَضَبًا لَمْ يَقْبَلْ قَلْبُهُ مَا سَمِعَ وَإِنْ رُدِّدَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وُكُرِّرَ، فَإِنْ فَهِمَ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَلْبِهِ مَا فَهِمَهُ حَتَّى يَنْسَاهُ، وَإِنِ اسْتَعْجَمَ قَلْبُهُ عَنِ الْفَهْمِ، كَانَ ذَلِكَ دَاعِيَةً لِلْفَقِيهِ إِلَّى الضَّجَرِ وَلِلْمُتَعَلِّمِ إِلَى الْمَلَلِ، وَكُلَّمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُتَعَلِّمَ افْتِقَادُهُ مِنْ -[204]- نِفْسِهِ، فَإِنَّ عَلَى الْفَقِيهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْ قَبْلُ , فَيُرِيدُ أَنْ يَتَعَرَّفَهُ , وَأَنْ يَتَحَفَّظَهُ , وَالْفَقِيهُ فَهِمٌ لِمَا يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَهُ حَافِظٌ لِمَا يَقْصِدُ أَنْ يَحْكِيهِ , فَإِذَا كَانَ الْفَقِيهُ مِنَ الْحِفْظِ وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ وَيَلْزَمُهُ مِنَ افْتِقَادِ نَفْسِهِ مَا وَصَفْتُ , وَالْمُتَعَلِّمُ يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَ إِلَى قَلْبِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ , وَقَلْبُهُ نَافِرٌ عَنْهُ , وَنَفْسُهُ تَسْتَثْقِلُ التَّعَبَ , وَالْإِكْبَابَ عَلَى الطَّلَبِ فَهُوَ يَحْتَاجُ مِنْ فَرَاغِ الْقَلْبِ إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , وَيُحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ شَدِيدٍ عَلَى الِاسْتِذْكَارِ وَالتَّرْدِيدِ