فأما الكتاب وهو القرآن فإنه هو الأصل في التشريع الإسلامي فقد بينت فيه أسس الشريعة وأوضحت معالمها في العقائد تفصيلًا وفي العبادات والحقوق إجمالًا. وهو في الشريعة الإسلامية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى الأمم، وهو القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده ولذا كان هو المصدر التشريعي الأصلي غير أن الكتاب بصفته الدستورية إنما يتناول بيان الأحكام بالنص الإجمالي ولا يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إلا قليلًا، لأن هذا التفصيل يطول به ويخرجه عن أغراضه القرآنية من البلاغة وغيرها فقد ورد فيه الأمر مثلًا بالصلاة والزكاة مجملًا، ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها، بل فصلتها السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله, وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود ونص على حل البيع وحرمة الربا إجمالًا ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها وأما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلًا للوفاء، فتكفلت السنة أيضًا ببيان أسس هذا التمييز على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع كما في المواريث وكيفية اللعان بين الزوجين وبعض الحدود العقابية والنساء والمحارم في