-واعلم أن الشريعة الإسلامية قد وضعت قوانين المعاملات، وفصلتها أحسن تفصيل، فوضعت نظماً للبيع، والشراء، والرهن، والاجارة، والشركة والشفعة، ووعضت قوانين للاقتصاد، والتجارة، والزراعة، والصناعة، ولم تترك شيئاً إلا وضعت له نظاماً مبنياً على مصلحة النوع الإنساني، وترقية حاله، ورفع الخصومات من بين الناس وتوطيد علائق الثقة فيما بينهم، ونزع العداوة والبغضاء من قلوبهم، وحفظ حقوق الضعفاء، ورفع الحيف عنهم، وقد أخذ المجتهدون من النصوص التي جاء بها الكتاب الكريم، أو السنة الصحيحة، ما فيه مصالح الناس، التي اقتضتها حادثات الأزمنة المختلفة، فكان للمسلمين أعظم ثروة فقهية يمكنهم أن يجعلوها اصلاً لكل قانون صالح ينتفع به المجتمع، وتقوم عليه دعائم العمران، وتسعد به الشعوب والأمم سعادة حقيقية، ومع هذا فإنها لم تضع عقوبات خاصة لمن خالف قوانين المعاملات المالية، بل تركت أمر هذه العقوبات للحاكم، ليضع لها ما يناسب كل زمان ومكان، وهذا هو باب التعزير، فقد جعلت الشريعة للحاكم سلطة يضع بها العقوبات التي تليق بمن يخالف أمر الشريعة، أو نهيها، بحسب اليئات والزمنة، وبحسب ما يترتب على مخالفتها