فالتهلكة هي ترك الجهاد وما فيه من عظيم الأجر وحلول النصر، والركون إلى الدنيا وما يترتب على ذلك من ضعف المسلمين وقوة أعدائهم وتسلطهم عليهم وغزوهم في عقر دارهم وإذلالهم، وهو ما يؤدي إلى التهلكة للفرد والأمة، وأما من أفتدى المسلمين والإِسلام بنفسه فقد باعها لله رغبة فيما عنده من عظيم الأجر وجزيل الثواب للشهداء والمجاهدين في سبيله.
ويجاب عن الآية الثانية بأنها لا تتناول موضوع الاستدلال، وإنما المراد بها أن يقتل الناس بعضهم بعضا، قال القرطبي (?): أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل والحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي للتلف ويحتمل أن يقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي.
وليست تلك العمليات انتحارًا، إذ الانتحار قتل للنفس وتخلص منها بعد أن ضاقت الدنيا في وجهه لأي سبب من أسباب الحياة، فهو لا يقصد أبعد من ذلك، وإنما الفداء بالنفس لإعلاء كلمة الله وعز الإِسلام والمسلمين وقهر الأعداء والنكاية بهم شراء للآخرة بالحياة الدنيا فهو لم يقدم على إزهاق نفسه سخطًا لأمر من أمور الدنيا، وإنما أرخصها لهدف أسمى وأعلى ألا وهو الشهادة في سبيل الله، فقد باع نفسه وما يفنى بما يبقى من رضوان الله والدرجات العلى.
وقد حققت مثل هذه العمليات نتائج طيبة بالنيل من العدو ورفع الروح المعنوية للمسلمين وأنه يمكن النصر على الأعداء إذا صدق المسلمون مع الله وحققوا عوامل النصر وإن لم يكونوا مثل الأعداء عددًا وعدة كما هي شواهد التاريخ.