وإنما يدخل هذا الكلام عندئذ في الاّدعاء، والاّدعاء لا يقبل إلا إذا عزّرته البيَّنة المعتبرة شرعاً.
ومنها: أن يشهد شاهدان عدلان بصدق كلامه.
الثالث: الاستفاضة: وصورة الاستفاضة: أن ينتسب الشخص إلى رجل، أو قبيلة، والناس في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص، أو تلك القبيلة، دون وجود مخالف، ودون أن يُحدّ ذلك في فترة قصيرة من الزمن.
فهذه الاستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة، وتعتبر دليلاً شرعياً على صحة الأمر.
بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا من الكثرة مبلغاً، يحيل العقل اتفاقهم على الكذب.
والسبب في تنزيل الاستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة الصحيحة: أن النسب من الأمور الثابتة المستمرة مع توالي الأجيال، فإذا طالت مدتها عَسُرَ إقامة البيَّنة على ابتدائها، فمسّت الحاجة إلى إثباتها بالاستفاضة.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتسبون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قبائلهم، وأجدادهم، فما كان ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون النكاح رؤية بالعين. بل كان يكتفي باستفاضة الخير بين الناس، دون وجود مخالف. وكانت الأحكام تبنى على ذلك.
ثبوت الرضاعة:
لقد علمت سابقاً أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم. فكذلك لها حكم النسب في طرق الثبوت. فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلاثة السابقة:
الشهادة، الإقرار، الاستفاضة.