وقال جمهور الحنفية: لا يشترط كون القاضي مجتهداً، والصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية والندب والاستحباب، فيجوز تقليد غير المجتهد للقضاء، ويحكم بفتوى غيره أي بتقليد مجتهد؛ لأن الغرض من القضاء هو فصل الخصائم وإيصال الحق إلى مستحقه، وهو يتحقق بالتقليد، لكن مع هذا قالوا: لا ينبغي أن يقلد الجاهل بالأحكام، أي الجاهل بأدلة الأحكام الشرعية تفصيلاً واستنباطاً؛ لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح، بل يقضي بالباطل من حيث لا يشعر به.

وبصرف النظر عن هذا الخلاف فإن الواقع له مكان وأهمية، قال الإمام الغزالي: اجتماع هذه الشروط من العدالة والاجتهاد وغيرهما متعذر في عصرنا لخلو العصر من المجتهد والعدل، فالوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة، وإن كان جاهلاً فاسقاً (?).

وقال الشافعية: إذا تعذرت هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقاً أو مقلداً نفذ قضاؤه للضرورة. وفي الجملة: إذا وجد اثنان كل منهما أهل للقضاء يقدم الأفضل في العلم والديانة والورع والعدالة والعفة والقوة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من تولى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً، وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله، وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله، وجماعة المسلمين» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015