وإن كتَّفه وتركه في موضع فيه حيات، فنهشته، فمات لم يجب القود، سواء أكان المكان ضيقاً أم واسعاً؛ لأن الحية تهرب عادة من الآدمي، فلم يكن تركه معها ملجئاً إلى قتله، بخلاف السبع فإنه يثب على الإنسان في المكان الضيق دون المتسع.
وإن أنهشه سبعاً أو حية يقتل مثلها غالباً، فمات منه، وجب عليه القود؛ لأنه ألجأه إلى قتله.
يفرق الحنفية بين التحريق والتغريق، فالتحريق بالنار عندهم قتل عمد؛ لأن النار كالسلاح في تفريق أجزاء الجسد، فتشق الجلد، وتعمل عمل الذبح. وألحقوا بالنار: الماء المغلي أو الحار، والمعدن المصهور، والتنور أو الفرن المحمي وإن لم يكن فيه نار (?).
وأما التغريق بالماء الكثير فهو عند أبي حنيفة قتل شبه عمد، لأنه كالقتل بالمثقل. وعند الصاحبين: هو قتل عمد موجب للقود؛ لأنه مما يقتل به غالباً، واستعماله دليل العمدية (?)، ويدل لهما قوله عليه السلام: «من غرَّق غرقناه» (?). وهذا إذا كان الماء عظيماً بحيث لا تمكن النجاة منه. فلو كان الماء قليلاً لا يقتل غالباً، أو عظيماً تمكن النجاة منه بالسباحة، والملقى بالماء يحسن السباحة، فالقتل ليس شبه عمد باتفاق الحنفية.