لا نغني عنك من الله شيئاً، ثم ذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يارسول الله، أتبكي، أو لم تنه عن البكاء؟ قال: لا، ولكن نهيت عن النوح» (?). وورد في الصحيحين: «أنه صلّى الله عليه وسلم لما فاضت عيناه، لما رفع إليه ابن بنته، ونفسه تقعقع كأنها في شَنَّة (?) ـ أي لها صوت وحشرجة كصوت ما ألقي في قربة بالية ـ قال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة، جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
والبكاء لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه.
وأما حديث «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» (?) فمؤول عند جمهور العلماء على من وصى أهله أن يبكى عليه، ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه، ونوحهم؛ لأنه بسببه ومنسوب إليه، وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طَرَفة بن العبد:
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب ياابنة معبد
أما من بكى عليه أهله وناحوا عليه من غير وصية منه، فلا يعذب ببكائهم ونوحهم، لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام:164/ 6].
ولا بأس ـ كما ذكر الحنفية ـ برثاء الميت بشعر أو غيره، لكن يكره الإفراط في مدحه، لا سيما عند جنازته، لحديث «من تعزى بعزاء الجاهلية،
فأعضّوه بهَنِ أبيه