بِشَيْءٍ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي)
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: أَوَّلُ (مَنْ قَاسَ) إبْلِيسُ، وَإِنَّمَا عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِالْمَقَايِيسِ وَقَالَ أَشْعَثُ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا يَكَادُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا بِرَأْيِهِ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: (لَعَلَّك مِنْ الْقَائِسِينَ) وَتَذَاكَرُوا الْقِيَاسَ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ: إنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَحْلَلْتُمْ الْحَرَامَ وَحَرَّمْتُمْ الْحَلَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كَانَ الشَّعْبِيُّ لَا يَقِيسُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ لَا يُفْتِي بِرَأْيِهِ.
الْجَوَابُ: قَدْ ثَبَتَ عَنْ السَّلَفِ، الْقَوْلُ بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَاسْتِعْمَالِ الْمَقَايِيسِ، فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ، الَّتِي يَعْجِزُ الْكِتَابُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا سَمِعَهَا الشَّكُّ فِيهَا. - فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِمَّا ذَكَرْت، فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي، وَثَبَتَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ مَا رَوَيْت مِنْ قَوْلِهِ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِرَأْيِي، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ، إذَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَنْعُ الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَوْ دَلِيلِهِ، وَلَسْنَا نُجِيزُ الِاجْتِهَادَ فِي مِثْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَقَحَّمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقُلْ فِي الْجَدِّ، فَإِنَّمَا مُرَادُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِي الْجَدِّ لَطِيفُ الْمَعْنَى، غَامِضُ الْمَسْلَكِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ فِيهِ، إلَّا لِمَنْ كَانَ بَارِعًا مُتَقَدِّمًا فِي النَّظَرِ، عَالِمًا بِوُجُوهِ الْمَقَايِيسِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا قَدْ قَالَا فِي الْجَدِّ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا بِذَلِكَ مَنْعَ أَنْفُسِهِمَا وَأَمْثَالِهِمَا مِنْ