فَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ حَوَى هَذَا الْخَبَرُ ضُرُوبًا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ. أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا غَابَ أَقَامُوا رَجُلًا مَكَانَهُ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَصَلَّوْا خَلْفَهُ، ثُمَّ حِينَ صَفَّقَ النَّاسُ بِاجْتِهَادِهِمْ؛ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ بَدْءًا بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ لَمَّا أَكْثَرُوا التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ حِينَ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِاجْتِهَادِهِ؛ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ لِغَيْرِ عَمَلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ بِاجْتِهَادِ رَأْيِهِ، بَعْدَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَهُ) بِالثَّبَاتِ، لِأَنَّهُ غَلَبَ فِي رَأْيِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَمْرِ إيجَابٍ، وَرَأَى التَّأْخِيرَ أَوْلَى تَعْظِيمًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَقَدَّمَ أَمَامَهُ كَإِعْظَامِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَمْحُوَ ذِكْرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ «جَيْشِ الْخَبَطِ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ وَجَدُوا حُوتًا مَيِّتًا عَلَى السَّاحِلِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ أَكْلِهِ وَقَالُوا: هُوَ مَيْتَةٌ. ثُمَّ قَالُوا: نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ، فَكُلُوا، فَأَكَلُوا، فَلَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَهُ لَهُمْ» وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015