حُصُونَهُمْ مَانِعَتُهُمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا اسْتَحَقُّوهُ مِنْ الْخِزْيِ وَالْعَذَابِ وَالذُّلِّ وَالْخِذْلَانِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر: 2] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وَالْمَعْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ اُحْكُمُوا لِمَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لِئَلَّا يُقْدِمُوا عَلَى مِثْلِ مَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ، فَيَسْتَحِقُّوا مِثْلَ مَا اسْتَحَقُّوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ هُوَ أَنْ تَحْكُمَ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي مَعْنَاهُ، الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِحْقَاقُ حُكْمِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِبَارُ: هُوَ التَّفَكُّرُ وَالتَّدَبُّرُ. قِيلَ لَهُ: هُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ تَفَكُّرٌ فِي رَدِّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا.
أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ: قَدْ اعْتَبَرْت هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الثَّوْبِ، إذَا قَوَّمْتَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ. فَكَانَ الْمَعْنَى: أَنَّك رَدَدْته إلَيْهِ، وَحَكَمْت لَهُ بِمِثْلِ حُكْمِهِ، إذْ كَانَ مِثْلَهُ وَنَظِيرَهُ.
وَحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: رَأَيْت الْقَاشَانِيَّ وَابْنَ سُرَيْجٍ قَدْ صَنَّفَا فِي الْقِيَاسِ نَحْوَ أَلْفِ وَرَقَةٍ، هَذَا فِي نَفْيِهِ، وَهَذَا فِي إثْبَاتِهِ، اعْتَمَدَ الْقَاشَانِيُّ فِيهِ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى