ذَلِكَ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَذَى حَدٌّ مَعْلُومٌ يُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ أَنَّهُ أَذًى. وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَهَذَا الْوَعِيدُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَكَذَلِكَ الْهِجْرَانُ وَالضَّرْبُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] وَهَذَا الْخَوْفُ عَلَى حَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَيَانِهِ صَلَاحًا فِي غَالِبِ رَأْيِهِمَا، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] مَعْنَاهُ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ فِي اجْتِهَادِ رَأْيِهِ، وَمَا يَغْلِبُ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ أَدْعَى إلَى الْأُلْفَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَأَنْفَى لِلتَّنَافُرِ وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . وَحُكْمُ الْعَدْلَيْنِ بِالْمِثْلِ، هُوَ إنَّمَا مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] وَإِنَّمَا يُؤْتَوْنَ مَا يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ أَنَّهُ مِقْدَارُ الْكِفَايَةِ وَسَدِّ الْخَلَّةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] . وَالْعَدْلُ الَّذِي بَيْنَهُمَا لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ