ِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ النَّظَرِ وَإِثْبَاتِ حُجَجِ الْعُقُولِ.
فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: النَّظَرُ وَاجِبٌ، وَحُجَجُ الْعُقُولِ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ، تُعْرَفُ بِهَا صِحَّةُ الْمَذَاهِبِ مِنْ فَاسِدِهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ: لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِي تَصْحِيحِ شَيْءٍ وَلَا إفْسَادِهِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صِحَّةُ الْمَذَاهِبِ وَفَسَادُهَا مِنْ طَرِيقِ الْخَبَرِ، وَمَشْهُورٌ عَنْ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بَلْ عَلَى الْعُقُولِ. وَمَوْجُودٌ فِي كُتُبِهِ: أَنَّ حُجَّةَ الْعُقُولِ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْقَائِلُونَ بِنَفْيِ حُجَجِ الْعُقُولِ إنَّمَا يَنْفُونَهَا بِالْقَوْلِ، فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْعُقُولِ فِي إثْبَاتِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْ فِي نَفْيِهَا وَالْحِجَاجُ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ صُورَتُهُ فِي عُقُولِ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ، إلَّا أَنَّ مِنْ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَامِضٌ خَفِيٌّ.
فَالْجَلِيُّ مِنْهُ: لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ الشَّكُّ فِيهِ، وَلَا إيرَادُ شُبْهَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فِي نَفْيِهِ.