بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَفِيهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (مَنْ شَاءَ بَاهَلْته) : أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] : نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بَعْدَهُمْ: أَنَّ عِدَّتَهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَقَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَطَاوُسٌ: أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ مُبْهَمَةٌ يَحْرُمْنَ بِالْعَقْدِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، (وَمُجَاهِدٌ) : هُنَّ كَالرَّبَائِبِ، لَا يَحْرُمْنَ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَزَوَّجَ بِأُمِّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ الْأُمَّ، وَهَذَا أَيْضًا كَانَ مِنْ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي السَّلَفِ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ: عَلَى أَنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ بِالْعَقْدِ، وَقَالَ عَلِيٌّ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدٌ، وَشُرَيْحٌ: بَيْعُ الْأَمَةِ لَا يُفْسِدُ نِكَاحَهَا، وَقَالَ (ابْنُ) مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَجَابِرٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ: بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا. وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بَعْدَهُمْ: عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَا يُفْسِدُ نِكَاحَهَا.
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، تَفُوقُ الْإِحْصَاءَ، وَيَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا، وَإِذَا كُنَّا قَدْ وَجَدْنَا أَهْلَ الْأَعْصَارِ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَحَدِ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي قَالُوا بِهَا، فَلَوْ جَازَ مُخَالَفَتُهُمْ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ (لَخَرَجَ إجْمَاعُهُمْ) مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسَعُ خِلَافُهُ، وَلَا نَأْمَنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي أَحَدِ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا، مِمَّا كَانَ السَّلَفُ اخْتَلَفُوا فِيهَا.
فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَسَوَّغُوا فِيهِ