فِي مَنْعِ خِلَافِ الْمَفْضُولِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ مُتَفَاضِلُونَ، وَأَفْضَلُهُمْ: الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ سَوَّغُوا مَعَ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ لِمَنْ دُونَهُمْ مَعَهُمْ، وَمُخَالَفَتَهُمْ، مِثْلِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَوْ كَانَ الْفَضْلُ مُوجِبًا لَهُمْ التَّفَرُّدَ بِالْفُتْيَا - لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَةُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَقُولَ: مَعَهُمَا مِنْ دُونِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ التَّابِعِيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ مَزِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَدْ شَاهَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمَ بِمُشَاهَدَتِهِ مَصَادِرَ قَوْلِهِ وَمَخَارِجَهُ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ لَيْسَتْ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ، فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُزَاحِمُوهُمْ.

قِيلَ لَهُ: مَا (عَرَفَهُ الصَّحَابِيُّ) بِالْمُشَاهَدَةِ، قَدْ عَرَفَهُ التَّابِعِيُّ بِسَمَاعِهِ مِمَّنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الصَّحَابِيِّ فِي هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي، إطْلَاقِ لَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمٍ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ لِيَشْتَرِكَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَلُزُومِ حُكْمِهِ، إلَّا وَذَلِكَ اللَّفْظُ مَتَى نُقِلَ يُفِيدُ الْغَائِبَ مَا أَفَادَهُ الشَّاهِدُ، وَلَا يَجُوزُ: أَنْ يُخَصَّ الشَّاهِدُ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ وَمَخَارِجِ اللَّفْظِ، بِمَا لَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ، إذَا نُقِلَ عَنْهُ، إلَّا وَحُكْمُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الشَّاهِدِ، وَمَخْصُوصٌ بِهِ، دُونَ الْغَائِبِ.

فَأَمَّا إذَا أَرَادَ (عُمُومَ الْحُكْمِ) فِي الْفَرِيقَيْنِ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ حَالِ الْمُشَاهَدَةِ وَمَخَارِجِ اللَّفْظِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. فَرُبَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015