مُلُوكِ بَنِي مَرْوَانَ، وَالْأَقَلُّ كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ: أَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَ الْأَقَلِّ، دُونَ الْأَكْثَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» . وَقَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» وَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ.
قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ، فَلِمَ اعْتَبَرْت الْأَكْثَرَ؟ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ» يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهَا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمَا، وَلُزُومِ اتِّبَاعِ الْجَمَاعَةِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ» فَأَخْبَرَ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ: إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا إلَّا الْوَاحِدُ، وَالْعَدَدُ الْيَسِيرُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» مَعْنَاهُ: مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أُصُولِ اعْتِقَادَاتِهَا، فَلَا تُنْقِضُوهُ وَتَصِيرُوا إلَى خِلَافِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلٍ بَاطِلٍ فَقَدْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ، إمَّا فِي جُمْلَةِ اعْتِقَادِهَا، أَوْ فِي تَفْصِيلِهِ.