وَأَيْضًا: لَمَّا خَلَقَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ لِعِبَادَتِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ عَبَدَ.
وَوِزَانُ هَذَا مِنْ أَمْرِ الْأُمَّةِ (أَنْ يَكُونَ) فِيهِ عُدُولٌ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ.
دَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ، غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الْآيَةَ فَقَدْ أَوْجَبَ بِهِ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَظَرَ مُخَالَفَتَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78] (وَفِي هَذَا) وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِاتِّبَاعِهِمْ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ الْخَطَأِ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا وَصَوَابًا، ثُمَّ أَكَّدَ بِإِلْحَاقِهِ بِتَارِكِ اتِّبَاعِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أُلْحِقَ الذَّمُّ بِتَارِكِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إذَا شَاقَّ الرَّسُولَ مَعَ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ) {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ بِالْأَمْرَيْنِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَحْدَهُ، دُونَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ؟ .
قِيلَ لَهُ: لَوْلَا أَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِعْلٌ مَذْمُومٌ - لَمَا قَرَنَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ، فَلَمَّا قَرَنَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَأُلْحِقَ الذَّمُّ بِفَاعِلِهِ - دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ فِعْلٌ مَذْمُومٌ عَلَى الِانْفِرَادِ لَمَا جَمَعَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ ذَمَّهُ عَلَى الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْلَا أَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الذَّمَّ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ إذَا شَاقَّ الرَّسُولَ مَعَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى