هَذِهِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، أَنْ تُخَلِّيَهُ مِنْ تَكْذِيبِهِ، وَظَاهِرُ النَّكِيرِ عَلَيْهِ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى مِثْلِهَا خَبَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ، عَلَى شَيْءٍ يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ مِنْ وُقُوعِ الْإِخْبَارِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتْمَانِ، وَاخْتِلَافُ هِمَمِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ وَأَسْبَابِهِمْ، وَأَنَّ الْإِخْبَارَ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُوَاطَأَةٍ وَعَنْ سَبَبٍ يَجْمَعُهُمْ، وَالْمُوَاطَأَةُ، عَنْ مِثْلِهِمْ إذَا كَانَتْ ظَهَرَتْ وَلَمْ تَنْكَتِمْ.
كَذَلِكَ كِتْمَانُ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَالْأَشْيَاءِ الْعَجِيبَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي طِبَاعِهِمْ اسْتِثْقَالَ كِتْمَانِ مِثْلِهَا، وَحَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِخْبَارَ بِهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ دَوَاعِيَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ تَدْعُوهُمْ إلَى إشَاعَتِهَا وَنَشْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُمْ فِي كِتْمَانِهَا ضَرَرٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ.
أَلَا تَرَى: أَنَّ مَوْتَ الْخُلَفَاءِ وَقَتْلَهُمْ وَخُلْفَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ - لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ وُقُوعُ الْكِتْمَانِ فِيهِ، حَتَّى يَبْقَى النَّاسُ بَعْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ وَالْبَيْعَةِ لِآخَرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَا يُخْبِرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِهِ، وَلَا يَنْقُلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعَادَةِ: أَنْ يَدْخُلَ رَجُلٌ بَغْدَادَ فَيَسْأَلَ عَنْ دَارِ الْخَلِيفَةِ، أَوْ عَنْ مَسْجِدِ جَامِعِ الْمَدِينَةِ، فَلَا يُرْشِدُهُ أَحَدٌ إلَيْهِ، حَتَّى يَبْقَى طُولَ دَهْرِهِ بِهَا فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَدُلُّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَبِمِثْلِهِ عَلِمْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ الرَّافِضَةِ: إنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصَبَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ لِلْإِمَامَةِ بَعْدَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ.
لِأَنَّ نَصْبَ النَّبِيِّ لِإِمَامٍ بَعْدَهُ، وَتَعْيِينَهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ - أَعْظَمُ فِي الصُّدُورِ، وَأَثْبَتُ فِي النُّفُوسِ مِنْ خَلْعِ خَلِيفَةٍ فِي زَمَانِنَا، وَالْبَيْعَةِ لِغَيْرِهِ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلِأَنَّ عِلَلَهُمْ وَأَسْبَابَهُمْ تَمْنَعُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى كِتْمَانِهِ، كَمَا تَمْنَعُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى كِتْمَانِ الرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ جَازَ كِتْمَانُ مِثْلِهِ لَجَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ آخَرُ بَعَثَهُ، فَكَتَمَتْ الْأُمَّةُ أَمْرَهُ، وَلَجَازَ أَنْ يَقُولَ آخَرُ: إنَّ النَّبِيَّ كَانَ غَيْرَهُ فَكَتَمَتْهُ الْأُمَّةُ، وَادَّعَتْ النُّبُوَّةَ لِغَيْرِهِ، وَفِيمَا دُونَ النَّصِّ عَلَى الْإِمَامَةِ وَتَعْيِينِهَا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ الْكِتْمَانُ. فَكَيْفَ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ فِي النُّفُوسِ، وَأَجَلَّ فِي الصُّدُورِ، كَانَ حِرْصُ النَّاسِ عَلَى نَقْلِهِ أَشَدَّ، وَكُلْفُهُمْ بِالْإِخْبَارِ بِهِ أَكْثَرَ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ ادَّعَى: أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ شَرَطَ