وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَا أَبَا الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي ذَلِكَ بَلْ كَانَ يَقُولُ بِالْعُمُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ فِيهَا بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ إلَّا بِدَلَالَةٍ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُ بِوَعِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ فِي الْوَعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ بِالْوَقْفِ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّ الْآيَ الْمُوجِبَةَ لِلْوَعِيدِ بِالتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ إنَّمَا عَنَى بِهَا الْكُفَّارَ لِآيَاتٍ أَوْجَبَتْ خُصُوصَهَا فِيهِمْ. نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وقَوْله تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] . وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4] {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 5] (وَقَوْلِهِ {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .