كَانَ وَاجِبًا، أَوْ حَظْرِهِ إنْ كَانَ مَحْظُورًا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ، فَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ عَلَى اعْتِقَادِ شَيْءٍ لَا حَظْرَ وَلَا إيجَابَ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهِ رَأْسًا، لِأَنَّ بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ كَهِيَ قَبْلَ وُرُودِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَعْتَقِدُ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ أَنَّ مَا يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَأَنَّ مَا يَحْظُرُهُ فَهُوَ مَحْظُورٌ، فَيُؤَدِّي هَذَا الْقَوْلُ (إلَى) إسْقَاطِ فَائِدَةِ الْأَمْرِ رَأْسًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ هَذَا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَجِيءُ الْعِبَادَةِ بِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَرَدْته مِنْك إنْ لَمْ أَكْرَهْهُ، وَهُوَ حَسَنٌ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبِيحًا، وَأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صِدْقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ وُرُودُ الْخِطَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي خِطَابِهِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلِاعْتِقَادِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي وَصَفَهُ مَا ذَكَرْت وَجْهٌ غَيْرُ مَا وَصَفْنَا، وَلَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْهَا لِمَا بَيَّنَّا، ثَبَتَ امْتِنَاعُ جَوَازِ وُرُودِهِ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ.
فَإِنْ قَالَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَجُوزَ وُرُودُ الْأَمْرِ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ. فَنَقُولُ: قَدْ أَمَرْتُك (بِهِ) إنْ لَمْ أَنْسَخْهُ، وَيَكُونُ الَّذِي يَلْزَمُنَا بِوُرُودِ الْأَمْرِ الَّذِي هَذِهِ صُورَتُهُ: أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ مُجْمَلٌ يَرِدُ بَيَانُهُ فِي الثَّانِي مِنْ حَظْرٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَيَكُونُ بَيَانُ حُكْمِهِ مُتَرَقَّبًا بِمَجِيءِ وَقْتِ الْفِعْلِ فَإِنْ حَظَرَهُ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ (بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ كَانَ الْحَظْرَ، وَإِنْ لَمْ يَنْسَخْهُ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ) (بِهِ) كَانَ الْإِيجَابَ، كَمَا نَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِهَا إلَّا بِوُرُودِ بَيَانِهَا وَلَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ (فَائِدَةِ الْأَمْرِ كَمَا لَا يَكُونُ) اللَّفْظُ الْمُجْمَلُ عَارِيًّا مِنْ (الْفَائِدَةِ) لِوُرُودِهِ مُجْمَلًا.