تَعَالَى، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَرَادَهُ مِنْهُ وَهَذَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيَجْعَلُ وُرُودَهُمَا عَبَثًا وَسَفَهًا، فَإِذَا صَحَّ هَذَا ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْرَهَهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ مِنْهُ وَفِي النَّهْيِ عَنْهُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهِ كَرَاهَةٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَهَذَا هُوَ الْبَدَاءُ الَّذِي هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ بَعْدَ إرَادَتِهِ، لَهُ إلَّا وَقَدْ اسْتَحْدَثَ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ وَقْتَ إرَادَتِهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَبَثًا وَسَفَهًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا مَنْفِيَّانِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَادَ الْفِعْلُ مِنْ وَجْهٍ وَيُكْرَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَتَتَعَلَّقُ الْإِرَادَةُ وَالْكَرَاهَةُ (بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَأَمَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلَا. وَتَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ)
مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يُرِيدَ الْفِعْلَ عِبَادَةً لِلَّهِ وَيَكْرَهَهُ عِبَادَةً لِلشَّيْطَانِ (وَمِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَنْ يُرِيدَهُ مِنْهُ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَيَكْرَهَهُ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ النَّسْخِ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الْفِعْلِ الَّذِي أَجَازَهُ مُخَالِفُونَا فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ، تَعَالَى (اللَّهُ) عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَأْبَى جَوَازَ تَعَلُّقِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْإِبَاحَةُ بِهِ غَيْرُ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحَظْرُ، وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ صَحَّ مِنْهُمَا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِجَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ مَجِيءِ الْفِعْلِ لِمَا بَيَّنَّا) . وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَجُوزُ وُرُودُهُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ شَرْطُهُ مَعَ الْأَمْرِ (بِهِ) فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: صَلُّوا إلَى وَقْتِ كَذَا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَلُّوا، بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَةِ.