نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَا تَكُونُ مَشِيئَتُهَا مَقْصُورَةً عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهَا بِسَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَيُثْبِتُ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا إيقَاعَ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فِي بَابِ الْوَقْتِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الْمَجْلِسِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوَقْتِ وَكَانَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ، وَأَلْفَاظُ التَّمْلِيكِ تَتَعَلَّقُ عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ بَعْدَهُ. وَالْعِلَّةُ فِي كَوْنِ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ (أَوْ) وَقْتٍ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ وُجُوبِ التَّكْرَارِ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ هِيَ أَنَّ التَّكْرَارَ لَا يَصِحُّ إيجَابُهُ إلَّا بِوُجُودِ لَفْظِ التَّكْرَارِ أَوْ بِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُرَادَ بِهِ تَكْرَارُ الْفِعْلِ بِتَكْرَارِ الْوَقْتِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَا وَصَفْنَا. وَنَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ، وَأَرَادَ ثَلَاثًا أَنَّهُ كَمَا نَوَى، وَجَعَلُوا قَوْلَهُ لِلسَّنَةِ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِأَوْقَاتِ السَّنَةِ فَيَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِتَكْرَارِ الْأَوْقَاتِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةٍ