وَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُ التَّكْرَارِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ حَرْفُ التَّكْرَارِ، كَمَا لَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَرْفِ التَّكْرَارِ عَمَّا ذُكِرَ فِيهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْأَمْرُ وَكَانَ مَتَى فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّكْرَارِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: افْعَلْهُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ خَمْسِينَ سَنَةً كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْغَرَضِ فِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَهُ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَمَعْلُومٌ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُ فِعْلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ وَالدَّوَامِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَلِانْقِطَاعِهِ (بِهِ) عَنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ، فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ قَوْلِك أَنَّهُ (مِنْ) حَيْثُ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ فِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ (الْأَوْقَاتُ) كُلُّهَا وَقْتًا لِلْفِعْلِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّكْرَارِ فَهَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ فِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَهُ مِنْ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ الْمَأْمُورَ بِهِ مَرَّةً، فَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً فَإِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ الْفِعْلِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْفَرْضِ، كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا إنَّ فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْوَقْتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ فَعَلَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً مَا بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَلَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَقْتًا لِلْوُجُوبِ، وَلَمْ يَجِبْ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَقْتًا لَهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِأَنْ يَكُونَ فِعْلُ الظُّهْرِ وَاجِبًا عَلَى وَجْهِ التَّكْرَارِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ (يَقْتَضِي التَّكْرَارَ) لَمَا كَانَ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ أَوْلَى بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ مِنْ بَعْضٍ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْقَاتُ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةً فِي بَابِ وُجُوبِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى وُجُوبِ فِعْلِهِ دَائِمًا مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَنْ الْمُرَادُ مِنْهُ فِعْلُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنْ بَعْضٍ فَيَحْصُلُ الْأَمْرُ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِنْهُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ. وَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِفِعْلٍ ظَاهِرِ الْمَعْنَى بَيِّنَ الْمُرَادِ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ قَبْلَ وُرُودِ بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَفْعَلُهُ فِيهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتَضِ التَّكْرَارَ فِي الْأَوْقَاتِ إذْ كَانَ وُجُوبُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى