بَعْضِ الْأَلْفَاظِ " لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ " لَمَّا أَثْبَتَهَا فِي ذِمَّتِهِ مَنَعَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ لُزُومِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُؤَدَّى فِيهِ الْفَرْضُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فِي وَقْتٍ عِنْدَهُ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ آخِرُ وَقْتِ الْفِعْلِ مُعَيَّنًا فَإِنَّ مُخَالِفَنَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّفْرِيطُ فِي وَقْتٍ لَمْ يُنْصَبْ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ آخِرُ أَوْقَاتِهِ، وَيَجْعَلُهُ مَنْهِيًّا عَنْ تَرْكِ فِعْلٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُنْصَبْ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
فَإِنْ (قَالَ قَائِلٌ) : قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " كَأَنْ يَكُونَ عَلَيَّ قَضَاءُ أَيَّامِ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا أَقْضِيهَا إلَّا فِي شَعْبَانَ "، فَقَدْ كَانَتْ تُؤَخِّرُهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ إنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِمْكَانِ. قِيلَ لَهُ: لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَرْضٌ مُوَقَّتٌ بِالسَّنَةِ كُلِّهَا إلَى أَنْ يَجِيءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمَنْهِيَّ عَنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ. دَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ اقْتَضَى كَرَاهَةَ تَرْكِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نُهِيَ عَنْ تَرْكِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ اقْتَضَى كَرَاهَةَ تَرْكِهِ فِي الْحَالِ دُونَ أَنْ يَكُونَ قَدْ كُرِهَ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي عُمُرِهِ كُلِّهِ.
قِيلَ لَهُ: إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِهِ (قَدْ) تَضَمَّنَ كَرَاهَةَ التَّرْكِ (وَ) كَانَ مَا كَرِهَ تَرْكَهُ فَهُوَ