فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُجْمَلُ الَّذِي لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِ حُكْمِهِ إلَّا بِبَيَانٍ فَإِنَّمَا جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُ حُكْمِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ مِنَّا اعْتِقَادَ وُجُوبِهِ إذَا (كَانَ) بَيَّنَ حُكْمَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
الْمَصْلَحَةَ
لَنَا فِي تَقْدِمَةِ ذَلِكَ إلَيْنَا وَتَكْلِيفِنَا تَوْطِينَ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ بَيَانِهِ كَمَا كُلِّفْنَا سَائِرَ الْعِبَادَاتِ وَكَمَا كُلِّفْنَا اعْتِقَادَ (أَدَاءِ) الصَّلَاةِ عِنْدَ مَجِيءِ وَقْتِهَا، وَفِعْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ إذَا حَضَرَ الشَّهْرُ، كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْنَا جُمْلَةً يَلْزَمُنَا بِهَا تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِهِ إذَا وَرَدَ بَيَانُهُ، فَالْأَمْرُ الْمُجْمَلُ قَدْ تَضَمَّنَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لُزُومُ تَوْطِينِ النَّفْسِ فِي الْحَالِ عَلَى فِعْلِهِ إذَا وَرَدَ بَيَانُهُ، وَتَرَقُّبِ مَجِيءِ وَقْتِهِ.
وَالثَّانِي: (أَنَّهُ) مَتَى بُيِّنَ كَانَ وُجُوبُهُ مُتَعَلِّقًا بِالْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَيْسَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ كَتَأْخِيرِ بَيَانِ الْعُمُومِ إذَا كَانَ مُرَادُهُ الْخُصُوصَ، لِأَنَّ وُرُودَ لَفْظِ الْعُمُومِ يُلْزِمُنَا شَيْئَيْنِ: