يَأْتِي بَعْدَهُ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَسَاغَ لِأَهْلِ الْخُصُوصِ وَالْوَقْفِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْعُمُومَ كُلَّهُ مُجْمَلٌ مُحْتَاجٌ إلَى تَفْسِيرٍ وَإِنَّ صُورَتَهُ صُورَةٌ تُوجِبُ التَّعْلِيقَ بِمَا، يَرِدُ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاَلَّذِي حَصَلَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ فَلَا إجْمَالَ فِيهِ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ فِيهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى اللَّفْظُ وُجُوبَهُ وَاسْتِعْمَالَ حُكْمِهِ، وَأَنَّ الْمُجْمَلَ عِنْدَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ حُكْمِهِ عَلَى وَجْهٍ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ عِنْدِي مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَسَائِلَهُمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت ذَلِكَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَالَ الزَّوْجُ كَذَلِكَ أَرَدْت وَقَعَتْ وَاحِدَةً فَجَعَلُوا لَفْظَ الْأَمْرِ مُخْتَصًّا بِأَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ وَجَعَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا لِلثَّلَاثِ لَوْلَا ذَلِكَ مَا عَمِلَتْ النِّيَّةُ فِي إرَادَتِهَا لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إيقَاعِ طَلَاقٍ لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِيمَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيجِ: أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي (تَزْوِيجَ) امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنْ زَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ (وَاحِدٍ) لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْأُخْرَى فَتَحْصُلُ الْمَنْكُوحَةُ الْمَأْذُونُ فِي نِكَاحِهَا مَجْهُولَةً وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَقَالُوا: فَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى عَنَيْت امْرَأَتَيْنِ جَازَ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ جَعَلُوا لَفْظَ الْأَمْرِ