وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ أَنَّهُمْ يَخُصُّونَ الْعُمُومَ بِدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى مُخَالَفَةِ حُكْمِ مَا عَدَاهُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْخِطَابِ فِي زَعْمِهِ كَمَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يَخُصُّ الْمُجْمَلَ وَالْقِيَاسَ يَخُصُّ الظَّاهِرَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إلَّا أَنَّا مَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ (بَيَانَ) فَسَادِ هَذَا الْفَرْعِ إذَا سُلِّمَ لَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ فِي الْأَصْلِ. فَنَقُولُ لَهُمْ: لِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ الدَّلِيلِ يَخُصُّ الظَّاهِرَ. فَإِنْ قَالَ: كَمَا أَخُصُّهُ بِلَفْظٍ غَيْرِهِ وَكَمَا أَخُصُّهُ بِالْقِيَاسِ. قِيلَ لَهُ: وَلِمَ قُلْت إنَّ هَذَا مِثْلُ الْقِيَاسِ وَمِثْلُ لَفْظٍ آخَرَ (هُوَ) أَخَصُّ مِنْهُ فَلَا مَلْجَأَ فِي ذَلِكَ (إلَّا) إلَى دَعْوَى عَارِيَّةٍ مِنْ الْبُرْهَانِ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَلَيْسَ هَذَا الضَّرْبُ مِنْ الدَّلِيلِ يَجُوزُ فِيهِ التَّخْصِيصُ عِنْدَك كَمَا يَجُوزُ فِي الْعُمُومِ فَلِمَ جَعَلْت الدَّلِيلَ حَاكِمًا عَلَى الْعُمُومِ دُونَ أَنْ تَجْعَلَ الْعُمُومَ حَاكِمًا عَلَيْهِ وَهَلَّا جَعَلْت أَقَلَّ أَحْوَالِهِمَا أَنْ يَتَسَاوَيَا فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَقْضِيَ بِالْآخِرِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّخْصِيصُ عِنْدَك مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ قِيَاسٍ لَا يُوجِبُ حُكْمًا رَأْسًا وَيَجُوزُ وُجُودُ هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الدَّلِيلِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِحُكْمِهِ عَلَى (نَحْوِ مَا مَرَّ) . ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلَّا جَعَلْت الْعُمُومَ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ عُمُومٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ