وَالْإِيجَابُ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ وَالنَّدْبُ مُعَلَّقٌ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَمِّ تَارِكِهِ وَالْإِبَاحَةُ مُعَلَّقٌ بِهَا وُقُوعُ الْفِعْلِ لَا عَلَى جِهَةِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِفِعْلِهِ وَلَا الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ فَعَلَى أَيِّ حَالٍ تَصَرَّفَتْ صِيغَةُ (حَقِيقَةِ) الْأَمْرِ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا ضَرْبٌ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْفِعْلِ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى إنَّ قَوْلَهُ افْعَلْ مَتَى لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِيجَابَ كَانَ مَجَازًا مُسْتَعْمَلًا فِي مَوْضِعِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى مَعْنَاهُ حَقِيقَةً وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ اعْتِبَارَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ الْمَجَازِ وَأَمَّا سَائِرُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ (فِيهَا) الْأَلْفَاظُ الْعَارِيَّةُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى حُكْمِ اعْتِبَارِهَا بِخِلَافِ مُوجَبِ حُكْمِهَا فَإِنَّهَا حَقَائِقُ فِيهَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] وقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] حَقِيقَةٌ فِي مَوْضِعِهِ لَيْسَ بِمَجَازٍ، ثُمَّ قَدْ وُجِدَ عَارِيًّا مِنْ حُكْمِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ مَدْلُولِهِ عَلَى قَضِيَّتِك فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ ضَرْبٌ مِنْ (التَّعَلُّقِ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ) (الزَّجْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعِيدُ) .
(وَأَيْضًا) فَإِنَّهُ مَجَازٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَنْكَرْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً غَيْرَ دَالٍّ بِوَجْهِهِ عَلَى مَا جُعِلَ دَلِيلًا عَلَيْهِ.