الْمَعْنَى وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ أَصْلِ الْمُخَالِفِ لَنَا وَفِي ذَلِكَ الْمَعْقُولِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ حَقِّ اللَّفْظِ إفَادَةُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْحُكْمِ وَدَلَالَةٌ عَلَى نَظَائِرِهِ وَإِلْحَاقُهَا بِحُكْمِهِ فَأَمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى خِلَافِ حُكْمِهِ فَهَذَا عَكْسُ الْمَعْنَى وَقَلْبُ الْوَاجِبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْعَامِدَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ مِنْ الْوَعِيدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُخْطِئِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وَهَذَا إغْفَالٌ مِنْهُ لِحُكْمِ اللَّفْظِ وَمُقْتَضَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّ الْجَمِيعَ بِالْحُكْمِ فَقَالَ " وَمَنْ قَتَلَهُ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ (مِنْ النَّعَمِ) " لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ لِلْوَعِيدِ فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ مَانِعًا مِنْ عَوْدِهِ إلَى الْعَامِدِ دُونَ الْمُخْطِئِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ حُكْمُ عُمُومِ اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلًا فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدِيهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاك لِتُشْرِكَ بِي} [العنكبوت: 8] . وَهَذَا فِي بَعْضِ مَا شَمَلَهُ لَفْظُ الْعُمُومِ فَعَلِمْت أَنَّ ذِكْرَ الْوَعِيدِ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ (غَيْرُ) مَانِعٍ إطْلَاقَ عُمُومِ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فَدَلَّ مُوَافَقَةُ مُخَالِفِنَا عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَعَ تَخْصِيصِهِ الْعَامِدَ بِالذِّكْرِ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ بَعْضِ أَوْصَافِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ يُحْكَمُ بِخِلَافِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ وُجِدَ لَفْظُ الْأَمْرِ مَوْضُوعًا لِلْإِيجَابِ ثُمَّ قَدْ يَرِدُ تَارَةً وَيُرَادُ بِهِ النَّدْبُ وَيَرِدُ أُخْرَى وَيُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ ثُمَّ قَدْ يَرِدُ وَلَا يُرَادُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى الزَّجْرِ