وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ (بِهِ) حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ وَكَانَ إبْلِيسُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَمْرُهُ بِالسُّجُودِ اسْتَثْنَاهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا وَجْهٌ قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارٌ. أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ (عَلَيَّ) يَتَنَاوَلُ مَا (يَثْبُتُ فِي) الذِّمَّةِ (وَالدِّينَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ مِمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ) فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] مِنْ النَّوْعِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَنَّهُ بِمَعْنَى لَكِنْ تَكُونُ {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ التِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ وَعَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ التِّجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ عَنْ تَرَاضٍ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ النَّفْيِ وَهِيَ أَنْ يَقَعَ عَلَى فَسَادٍ وَعَلَى وُجُوهٍ مَحْظُورَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّرًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمُخْرِجًا لِبَعْضِ مَا انْتَظَمَتْهُ الْجُمْلَةُ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا وَمِنْ الْجُمَلِ مَا يَنْتَظِمُ مُسَمَّيَاتٍ ثُمَّ يُعْطَفُ عَلَيْهَا بِكِنَايَةٍ فَحُكْمُ الْكِنَايَةِ فِي مِثْل ذَلِكَ رُجُوعُهَا إلَى مَا يَلِيهَا دُونَ مَا بَعُدَ مِنْهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فَهَذِهِ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الرَّبَائِبِ اللَّاتِي يَلِينَ الْكِنَايَةَ، وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَفْظِ التَّخْصِيصِ وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ.
وَمِنْهَا مَا يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ بَعْضِ الْمَذْكُورِ مِمَّا يَلِي الْكِنَايَةَ وَيَشْتَرِكَانِ جَمِيعًا فِي حُكْمِهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا} [الجمعة: 11] وَاَلَّذِي يَلِي الْكِنَايَةَ هُوَ اللَّهْوُ