وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا عِنْدَنَا فَاسِدَانِ لَا يَخِيلُ وَجْهُ الْفَسَادِ فِيهِمَا عَلَى مُتَأَمِّلٍ نَصَحَ نَفْسَهُ. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَفَسَادُهُ وَسُقُوطُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَاقِلٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى لُغَةٍ وَلَا شَرِيعَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا ذَكَرَ شَيْئًا عُلِّقَ بِهِ حُكْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَهُ وَعُلِّقَ بِهِ حُكْمٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْآخَرِ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْفُرُوضُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهَا شُرُوطًا بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ مُرَتَّبًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَبَيْنَ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ الْفُرُوضِ فَتَصِيرُ كُلُّهَا كَأَنَّهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي فَرْضٍ وَاحِدٍ إذَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ مُقَيَّدٍ ثُمَّ ذُكِرَ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْمُقَيَّدِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْت فِي الْفَرْضِ الْوَاحِدِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْتَ فَلِمَ قُلْت إنَّ الْفَرْضَيْنِ إذَا ذُكِرَ أَحَدُهُمَا مُقَيَّدًا بِحُكْمٍ وَالْآخَرُ مُطْلَقًا أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ.