فَتَبَيَّنَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ الْأَشْبَهَ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَصْلِ الْمَقِيسِ (عَلَيْهِ لَا إلَى) ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، ثُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِ، هَذَا السُّؤَالَ فِيمَا (يَعْتَبِرُهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ) الْأَشْبَهِ فِي ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ.
فَيُقَالُ لَهُ: خَبِّرْنَا عَنْ الْكَيْلِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الِاقْتِيَاتِ، أَيَقُولُ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَشْبَهُ فِي ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرِ (مِنْ بَعْضِهِ) ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ (شَبَهَ الْأَرُزِّ بِالْبُرِّ) فِي كَوْنِهِمَا مَكِيلَيْنِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي كَوْنِهِمَا مَأْكُولَيْنِ وَمُقْتَاتَيْنِ (وَمُدَّخَرَيْنِ) فَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي هَذَا الْوَجْهِ سَاقِطٌ.
فَإِذًا (لَا) اعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِحُصُولِ (الْأَشْبَهِ) (غَيْرَ هَذَا الْوَجْهِ) ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْأَشْبَهِ، وَيُعْتَبَرَ وُجُودُ (الشَّبَهِ) فَحَسْبُ. فَيُؤَدِّيك هَذَا إلَى إسْقَاطِ الِاجْتِهَادِ رَأْسًا، رَدُّ الْحَادِثَةِ إلَى أَيِّ الْأُصُولِ شَاءَ الْقَائِسُ، لِوُجُودِ الشَّبَهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَلَيْسَ قَدْ جَازَ أَنْ يَتَعَبَّدَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ، وَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ عَدَالَةٌ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (حُكْمُ) الْحَوَادِثِ؟
قِيلَ لَهُ: لَوْ لَمْ نَظُنَّ أَنَّ هُنَاكَ عَدَالَةٌ لَمَا صَحَّ تَكَلُّفَنَا الِاجْتِهَادَ فِي طَلَبِهَا.