فَإِنْ قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ (فِي أَنْ يَأْخُذَ) بِقَوْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ. (قِيلَ لَهُ) : فَإِنْ أَخَذَ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا وَأَلْزَمَهُ نَفْسَهُ، هَلْ يَسُوغُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى قَوْلِ الْآخَرِ وَنَسْخِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ. أَجَازَ مَا أَنْكَرَهُ فِي سُؤَالِهِ إيَّانَا، وَهَذَا يُوجِبُ سُقُوطَ سُؤَالِهِ. فَإِنْ قَالَ: لَا. قُلْنَا: مِثْلُهُ فِيمَا سَأَلَ، وَسُقُوطُ سُؤَالِهِ أَيْضًا. وَمِمَّا سَأَلُوا عَنْهُ فِي ذَلِكَ: الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِعَبْدِهِ، كَلِمَةً لَيْسَتْ عِنْدَهُ بِطَلَاقٍ، وَلَا عَتَاقٍ، وَعِنْدَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ أَنَّهَا طَلَاقٌ وَعَتَاقٌ. وَطَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، فَيُوجِبُ قَوْلُكُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعَ عَلَيْهِ، وَيُوجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إبَاحَةَ وَطْئِهَا، وَيُوجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الِامْتِنَاعَ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ، وَيُجِيزُ لِلْمَوْلَى اسْتِرْقَاقُهُ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى التَّمَانُعِ وَالْفَسَادِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ وُرُودُ الْعِبَارَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى هَذَا، فَعَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَخْتَصِمَا إلَى حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُمَا اتِّبَاعُ حُكْمِهِ، وَتَرْكُ رَأْيِهِمَا لِرَأْيِهِ (فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ) تَمَانُعٌ، وَلَا فَسَادٌ، وَلَا تَنَافِي فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا تَضَادَّ. ثُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي رَجُلٍ لَهُ أَمَةٌ مُقِرَّةٌ بِالرِّقِّ، مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا لَهُ (إذَا) أَعْتَقَهَا بِحَضْرَتِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ غَيْرُهَا، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ، وَلَهُ ابْنٌ لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهَا. أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِك وَقَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا: إنَّهُ جَائِزٌ لِلِابْنِ اسْتِرْقَاقُهَا، وَوَطْؤُهَا، وَوَاجِبٌ عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ، فِيهِ فَهَلْ أَوْجَبَ ذَلِكَ تَضَادًّا فِي الْحُكْمِ؟ فَإِذْ كَانَ وُقُوعُ مِثْلِهِ جَائِزًا فِيمَا انْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ، فَمَا أَنْكَرْت مِنْ مِثْلِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ؟
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ يُوجِبُ عَلَيْهِ تَرْكَ رَأْيِهِ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ. فَهَلَّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُصِيبٍ فِي اجْتِهَادِهِ؟ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ تَرْكُ الصَّوَابِ إلَى غَيْرِهِ.