قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ مَا أُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ حَكَيْت عَنْهُمْ أَلْفَاظًا مُتَلَبِّسَةً، حَقِيقَتُهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ عِنْدَنَا، نَذْكُرُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حِكَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ. فَحَكَى هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي وَاحِدٍ مِنْ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَلَكِنْ مَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَقَدْ أَدَّى مَا كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَأْجُورٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، بِمَنْزِلَةِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ.
وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْفَقِيهَيْنِ إذَا اجْتَهَدَا فِي الْحَادِثَةِ وَاخْتَلَفَا فَكِلَاهُمَا قَدْ أَصَابَ مَا كُلِّفَ، وَكِلَاهُمَا مَأْجُورٌ فِيمَا صَنَعَ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ أَصَابَ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ بِعَيْنِهِ، وَأَخْطَأَ الْآخَرُ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا أَنْ يُصِيبَا الصَّوَابَ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ كُلِّفَا ذَلِكَ فَأَخْطَأَ أَحَدُهُمَا