ِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقُولُ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دَلِيلًا مَنْصُوبًا عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ، وَالْحَادِثَةُ لَهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ (وَ) قَدْ كُلِّفَ الْقَائِسُونَ إصَابَةَ ذَلِكَ، وَمُخْطِئُهُ مُخْطِئٌ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّهُ مَأْجُورٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَمَعْذُورٌ فِي خَطَئِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَصَمِّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَبِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ. وَيُحْكَى (عَنْ) ابْنِ عُلَيَّةَ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِعَيْنِهِ بِاجْتِهَادِهِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّ أَصْحَابَهُ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَحْكُونَ عَنْهُ. فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ، عَلَى حَسَبِ مَا حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ سَمَّيْنَاهُ. وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَذْكُرُونَ: أَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ. وَأَمَّا الْفَرِيقُ الْآخَرُ مِمَّنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي صَدْرِ الْبَابِ: فَهُمْ الْقَائِلُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، بَلْ هُنَاكَ دَلَائِلُ هِيَ أَشْبَاهٌ وَأَمْثَالٌ مِنْ الْأُصُولِ، يُسَوَّغُ رَدُّ الْحَادِثَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.